الصلاة هي عمود الإسلام , وفريضته اليومية المتكررة , وأول ما يحاسب المؤمن عليه يوم القيامة , وهى الفيصل الأول بين الإسلام والكفر , وبين المؤمنين والكفار . وهذا ما أكده الرسول -صلى الله عليه وسلم- في أحاديثه : ( بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة )، (العهد الذي بيننا وبينهم : الصلاة , فمن تركها فقد كفر ) . وكان هذا المعنى واضحاً تمام الوضوح لدى الصحابة رضوان الله عليهم , قال عبد الله بن شقيق العقيلى : ( كان أصحاب رسول الله - لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ) . ولا غرو أن جعل القرآن الصلاة فاتحة خصال المؤمنين المفلحين وخاتمتها , فهو في البدء يقول ( قد أفلح المؤمنون ،الذين هم في صلاتهم خاشعون ) , وفى الختام يقول: ( والذين هم على صلواتهم يحافظون) دلالة على مكانة الصلاة في حياة الفرد المسلم والمجتمع المسلم .
كما جعل القرآن إضاعة الصلاة من صفات المجتمعات الضالة المنحرفة , وأما التمرد عليها والسخرية بها , فهو من سمات المجتمع الكافر . يقول سبحانه : (فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات , فسوف يلقون غياً) , ويقول في شأن الكفرة المكذبين › - (وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون) وفى آية أخرى وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوًا ولعبًا, وذلك بأنهم قوم لا يعقلون) . إن المجتمع المسلم مجتمع رباني الغاية والوجهة , كما أنه رباني النشأة والمصدر ؛مجتمع موصول الحبال بالله , مرتبط بعروته الوثقى , والصلاة هي العبادة اليومية التي تجعل المسلم دائماً على موعد مع الله , كلما غرق في لجج الحياة جاءت الصلاة فانتشلته , وكلما أنسته مشاغل الدنيا ربه جاءت الصلاة فذكرته , وكلما غشيه دنس الذنوب , أو غير قلبه تراب الغفلة , جاءت الصلاة فطهرته , فهي ( الحمام) الروحي الذي تغتسل فيه الأرواح , وتتطهر فيه القلوب كل يوم خمسي مرات , فلا يبقى من درنها شئ .
روى ابن مسعود عن النبي -صلى الله عليه وسلم- : ( تحترقون تحترقون , فإذا صليتم الصبح غسلتها , ثم تحترقون تحترقون , فإذا صليتم الظهر غسلتها , ثم تحترقون تحترقون , فإذا صليتم 1لعصر غسلتها , ثم تحترقون تحترقون , فإذا صليتم المغرب غسلتها , ثم تحترقون تحترقون , فإذا صليتم العشاء غسلتها , ثم تنامون فلا تكتب عليكم حتى تستيقظوا . وامتازت الصلاة الإسلامية بالجماعة , كما امتازت بالأذان . فالجماعة في الصلاة إما فرض كفاية , كما يقول أكثر الأئمة , وإما فرض عين كما يقول الإمام أحمد . ولأهمية الجماعة هم النبي -صلى الله عليه وسلم- , أن يحرق على قوم بيوتهم بالنار , لأنهم كانوا يتخلفون عن الجماعات ويصلون في بيوتهم . وقال ابن مسعود في الجماعة : ( لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا مريض أو منافق معلوم النفاق ) .ولأهميه صلاة الجماعة حرص الإسلام على إقامتها ولو في أثناء الحرب .
وهذا كما يدلنا على منزلة الجماعة , يدلنا على منزلة الصلاة نفسها , فاستعار المعارك , وتربص العدو , والاشتغال بالجهاد في سبيل الله , لا يسقط الصلاة أو يشغل عنها , وإنما يجب أن تؤدى بالصورة المستطاعة , ولو بلا ركوع ولا سجود , ولا استقبال قبله , عند الالتحام , ويكفى عند الضرورة النية وما يمكن من التلاوة والإشارة والذكر , قال تعالى : ( حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين ، فإن خفتم فرجالاً أو ركبانا , فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلون) , ومعنى : ( فرجالاً أو ركبانا ) : أي صلوا مشاة أو راكبين , مستقبلين القبلة أو غير مستقبليها كيف استطعتم . وينطبق هذا على راكبي الطائرات والدبابات والمصفحات ونحوها . وامتازت الصلاة الإسلامية بالأذان : ذلك النداء الرباني , الذي ترتفع به الأصوات كل يوم خمس مرات , معلمة بدخول وقت الصلاة معلنة بالعقائد الرئيسية والمبادئ الأساسية للإسلام : ( الله أكبر - أربع مرات , أشهد أن لا إله إلا الله , أشهد أن محمدا رسول الله - مرتين , حي على الصلاة - مرتين , على الفلاح - مرتين , الله أكبر - مرتين , لا إله إلا الله ) . هذا الأذان بمنزلة النشيد القومي لأمة الإسلام , تعلو به صيحات المؤذنين فيجاوبهم المؤمنون في كل مكان , فيرددون معهم ألفاظ الأذان ذاتها , تأكيدالمعانيها في الأنفس , وتثبيتا لها في العقول والقلوب . والصلاة - كما شرعها الإسلام - ليست مجرد صلة روحية في حياة المسلم . إنها - بما سن لها من الأذان والإقامة , وما شرع لها من التجمع والانتظام وما أقيم لها من بيوت الله ، وما اشترط لها من النظافة والطهارة , وأخذ الزينة , واستقبال القبلة , وتحديد المواقيت , وما رجب فيها من حركات وتلاوة وأقوال وأفعال , تفتتح بالتكبير وتختتم بالتسليم- بهذا كله أصبحت أكثر من عبادة مجردة , إنها نظام حياة , ومنهج تربية وتعليم متكامل . يشمل الأبدان والعقول والقلوب . . . فالأبدان تنظف وتنشط , والعقول تتعلم وتتثقف , والقلوب تتزكى وتتطهر . الصلاة تطيق عملي لمبادئ الإسلام السياسية والاجتماعية المثلى , فتحت المسجد تتجلى معاني الإخاء , والمساواة والحرية , وتبرز معاني الجندية المؤمنة , والطاعة المبصرة , والنظام الجميل .
يقول الإمام الشهيد حسن البنا مبينا أثرها الروحي : ( ولا يقف أثر الصلاة عند هذا الحد الفردي , بل إن الصلاة كما وصفها الإسلام بأعمالها الظاهرة , وحقيقتها الباطنة , منهاج كامل لتربية الأمة الكاملة : فهي بأعمالها البدنية وأوقاتها المنتظمة خير ما يفيد البدن , وهى بآثارها الروحية وأذكارها وتلاوتها وأدميتها خير ما يهذب النفس ويرقق الوجدان , وهى باشتراط القراءة فيها - والقرآن الكريم منهاج ثقافة مالية شامل - تغذى العقل وقد الفكر بكثير من حقائق العلوم والمعارف , فيخرج المصلى المتقن وقد صح بدنه , ورق شعوره , وغذى عقله , فأي كمال في التربية الإنسانية الفردية بعد هذا ؟ ثم هي باشتراط الجمعة والجماعة تجمع الأمة خمس مرات في كل يوم , ومرة في كل أسبوع علي المعاني الاجتماعية الصالحة من الطاعة والنظام والحب والإخاء والمساواة بين يدي الله العلي الكبير , فأي كمال في المجتمع أتم من أن يقوم على هذه الدعائم , ويشيد على هذه المثل العالية ؟ إن الصلاة الإسلامية تربية للفرد كاملة , وبناء للأمة مشيد . ومن أجل هذا كله عنى المجتمع المسلم في عصور السلف الصالح بأمر الصلاة حتى سموها ( الميزان ) بها توزن أقدار الأشخاص , وتقاس منازلهم ودرجاتهم , فإذا أرادوا أن يعرفوا دين رجل ومدى استقامته , سألوا عن صلاته , ومقدار محافظته عليها وإحسانه لها . . وهذا مصداق الحديث النبوي إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان ) , ثم تلا : ( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله , فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) . ومن هنا كانت أول مؤسسة أنشأها الرسول -صلى الله عليه وسلم- , بعد أن هاجر إلى المدينة هي المسجد النبوي , الذي كان جامعًا للعبادة , ومدرسة للعلم , وبرلماناً للتفاهم . وأجمع الأئمة على أن من تركها جحوداً لها واستخفافاً بها فقد كفر , واختلفوا فيمن تركها عمداً كسلاً , فمنهم من حكم عليه بالكفر واستحقاق القتل , كأحمد وإسحاق . ومنهم من حكم عليه بالفسق واستحقاق القتل كمالك والشافعى , ومنهم من حكم عليه بالفسق واستحقاق التعزير والتأديب بالضرب والحبس حتى يتوب ويصلى كأبى حنيفة . . ولم يقل أحد منهم : إن الصلاة متروكة لضمير المسلم إن شاء أداها ، وإن شاء تركها , وحسابه على الله , بل أجمعوا على أن من واجب الحاكم أو الدولة المسلمة أن تتدخل بالزجر والتأديب لكل مصر على ترك الصلاة . فليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يدع المنتسبين للإسلام دون أن يركعوا له ركعة , ولا يتعرض لهم بعقاب ولا تأديب , بدعوى أن الناس أحرار فيما يفعلون . وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يسوى بين المصلين وغير المصلين ء بله أن يقدم تاركي الصلاة ويضعهم في موضع القادة والموجهين . وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تنشأ دواوينه ومؤسساته وشركاته ومدارسه وليس فيها مساجد تقام فيها الصلاة , ويرتفع الأذان . وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي يقوم نظام العمل فيه على أن لا وقت للصلاة , ومن خالف ذلك من الموظفين والعاملين عوقب بما يناسب المقام , ولفت نظره إلى هذا الخطأ الجسيم ؛وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي تقام فيه الندوات والأحفال والاجتماعات والمحاضرات ويدخل وقت الصلاة وينتهي , ولا أذان يسمع ولا صلاة تقام . قبل ذلك كله : ليس بمجتمع مسلم ذلك الذي لا يأخذ أبناءه وبناته بتعليم الصلاة , في المدارس والبيوت , منذ نعومة الأظفار , فيؤمرون بها لسبع , ويضربون عليها لعشر . وليس بمجتمع مسلم ذلك الذي لا تحتل الصلاة من برامجه التعليمية والثقافية والإعلامية مكانًا يليق بأهميتها في دين الله ، وفى حياة المسلمين . الصلاة عماد الدين |